الشريعة هي الأحكام الشرعية التي وضعت لتكون منهج حياة لمن ينتسبون إلى الدين في حياتهم الخاصة والعامة وفي علاقتهم مع ربهم ومع مجتمعهم الذي يعيشون فيه على اختلاف مستوياته وأبعاده.
فالشريعة ليست قاصرة على مجالات السياسة والمؤسسات العامة وإنما تشمل سلوك الناس في حياتهم اليومية سواء ما كان منها متصلا بالعلاقة بين الفرد وربه أو أسرته أو مجتمعه.
والشريعة الإسلامية في الاصطلاح: ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات وسائر نظم الحياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ونجد أن مقصد الشريعة الإسلامية هو حفظ نظام الكون واستقامته وتحقيق مصالح الناس وإصلاح شئونهم وذلك على أساس أن إصلاح الكون يتجلى في صلاح الكائنات وعلى رأسها النوع الإنساني باعتباره الكائن الحي المهيمن، وصلاحه يتمثل في صلاح عقله وبدنه وسلوكه دون عسر أو مشقة فجاءت الأحكام الربانية التي تعمل وتصب في هذا الاتجاه.
وأما دور الأسرة في تطبيق الشريعة الإسلامية فمن خلال غرس وتنمية الرقابة الذاتية للإنسان، فهو مسئول عن أعماله وأقواله بالثواب أو بالعقاب، سواء في الدنيا أو في الآخرة، وهذا الإحساس إنما يغرس في الصغر من خلال النماذج الوالدية والإخوة والأخوات.
وكذلك لا بد للأسرة أن تتعامل مع أحكام الشريعة بكل أحوالها سواء في أوقات انسجامها أو خلافاتها. والتعامل بتلك الأحكام يعطي دلالات واضحة على واقعية تطبيق الشريعة في جميع الأحوال.
فقد جاءت الشريعة للتعامل مع حياة البشرية، وحياتهم ذات أحوال متقلبة وليست على وتيرة واحدة، فجاءت أحكام الشريعة الإسلامية شاملة لتلك الأحوال، فلكل سؤال جواب، فإن لم يكن هناك جواب تجد المسألة تبيح الاجتهاد لمواجهة المستجدات من الحياة.
وبذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بالأسرة، فإن الإسلام ينظر إلى الأسرة نظرة دقيقة فاحصة شاملة تتناولها في طريق وجودها وتؤصل العلاقة بين أطرافها وتتبنى الرعاية الكاملة لثمراتها وتنظم لها الحياة الهانئة المستقرة، وذلك على أساس أن الأسرة هي دعامة المجتمع الإسلامي لأنها الحلقة الأولى من حلقات بنائه.
ومن خصائص اهتمام الشريعة الإسلامية بالأسرة:
• لتحقق الأسرة هدفها في أن يكون الإنسان خليفة الله في الأرض فقد تضمن الإسلام دستورا متكاملا للأسرة باعتبارها جانبا من التنظيم للقاعدة الركنية التي تقوم عليها الجماعة المسلمة، ويقوم عليها المجتمع الإسلامي، هذه القاعدة التي أحاطها الإسلام برعاية ملحوظة واستغرق تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية جهدا كبيرا نجده في مواضع شتى بالقرآن الكريم والسنة الشريفة متضمنا كل المقومات اللازمة لإقامة هذه القاعدة الأساسية على أساس متين.
• نظام الأسرة في الإسلام هو النظام الطبيعي الفطري المنبثق من أصل التكوين الإنساني بل من أصل تكوين الأشياء كلها في الكون على طريقة الإسلام في ربط النظام الذي يقيمه للإنسان بالنظام الذي أقامه الله للكون كله، ومن بينه هذا الإنسان، وحث الإسلام على بناء الأسرة ودعا الناس إلى أن يعيشوا في ظلالها لأنها الصورة المثلى للحياة المطمئنة التي تلبي رغائب الإنسان وتفي بحاجات وجوده، واستجابة للفطرة يحث الإسلام على الزواج قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (. ويحذر الإسلام من محاولة التملص من رباط الأسرة واستمراء الحياة بدون زواج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ) لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، والمتبتلين من الرجال الذين يقولون: لا نتزوج، والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك (، وقد بين النبي الكريم أن النكاح والأسرة من سنته، وفي الوقت نفسه يرغب الإسلام في الأسرة ويدعو إلى تكوينها.
• ويوجه الإسلام إلى البحث عن الحياة الطبيعية في رحاب الأسرة من واقع حياة الأنبياء الذين هم أصحاب السلوك الأمثل قال تعالى: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ (سورة آل عمران آية: 38)، وهؤلاء المؤمنون يعلمهم ربهم أن يتوجهوا إليه بالدعاء الضارع أن يهب لهم طمأنينة الحياة الأسرية ويذيقهم سعادتها، وينظر الإسلام إلى الأسرة باعتبارها مجالا تتهيأ فيه أسباب الطمأنينة: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الروم آية: 21 )، فالمشاعر والعواطف التي تنمو وتتبادل في جو الأسرة غذاء لا تستغني عنه النفس ولا يكفيها سواه، وبهذا الغذاء تصبح الأسرة في وقاية من التعاسة والوحدة، والأسرة يحتاجها الإنسان في كافة مراحل نموه، فالطفل لا بد له أن ينشأ في أسرة متحابة متماسكة حتى لا يصاب بالاضطراب في الشخصية، وحاجته إلى أمه وأبيه حاجة أصيلة لا يشبعها أي تنظيم اجتماعي آخر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.