عندما سمعوا أن جبريل عليه السلام ينزل بالوحي من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهم يحسدونه على النبوة، فلجَّ بهم الحقد والغيظ إلي أن أعلنوا عن عدائهم لجبريل أيضاً، وهذه حماقة وجهالة منهم،لأن جبريل عليه السلام نزل بالخير لهم في دينهم وفى دنياهم، ولكن الحقد والحسد إذا استوليا على النفوس جعلاها لا تفرق بين الخير والشر {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ? وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (98،99)البقرة
قال الإمام ابن جرير: (أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً، على أن الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم) (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) (21، 22آل عمران)
فقد قتل اليهود من الأنبياء الكثيرين، قتلوا أشيعاء بن موص الذي عاش في منتصف القرن الثامن قبل ميلاد المسيح عليه السلام، قتله منسي ملك اليهود، بأن أمر بنشره نشراً على جذع شجرة عام سبعمائة قبل الميلاد، لأنه كان ينصحه بترك السيئات
وقتلوا النبي أرما رمياً بالحجارة، لأنه أكثر من توبيخهم على منكرات أعمالهم، وكان ذلك في أواسط القرن السابع قبل الميلاد
وقتلوا النبي زكريا عليه السلام لأنه حاول الدفاع عن ابنه يحيى. قتله هيرودوس العبراني، ملك اليهود من قبل الرومان
وقتلوا النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام، قتله هيرودوس أيضاً، لأن ابنة أخته غضبت على يحيى لأنه لم يصدر الفتوى التي تهواها، وهى زواجها بهيرودوس.
وقتلوا النبي حزقيال قتله أحد قضاتهم لأنه نهاه عن منكرات فعلها
وزعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام وافتخروا بذلك فوبخهم القرآن الكريم بقوله
( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) (157النساء)
وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ، ولكن الله تعالى خيب محاولاتهم، وعصمه منهم، وحفظه من شرورهم ومن هذه الوقائع التاريخية الثابتة ، نرى أن قتل اليهود للنبيين قد تعدد منهم في أوقات مختلفة ومن أجيال متعاقبة. وبعد أن دمغهم سبحانه بجريمة قتل الأنبياء، وهى أعظم جريمة في هذا الوجود، عقبها بجريمة ثالثة من جرائمهم وهى : (وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ)، أي: قتلهم الدعاة إلى الحق، واعتداؤهم على الآمرين بالقسط؛ الذي هو ميزان الاعتدال في كل شئ، وإيذاؤهم للمرشدين الذين يبثون روح الفضائل بين الناس وفعلهم هذا من أسبابه صممهم عن الانصياع للهدى، وإعراضهم عن سبيل الرشاد، وضيق نفوسهم عن تقبل كلمة الحق، فهم ينطبق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط }، وقال صلى الله عليه وسلم { بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لاَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ }، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً { بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ يَمْشِي الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ (1)
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ النَّاسِ أشَدُّ عَذَاباً يَوْمَ القيامة؟ قال: {رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيّاً، أو رَجل أمَرَ بالمُنكَر ونَهَى عن المَعْرُوفِ}، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (21آل عمران)، ثم قال: بَنِي إسْرَائِيلَ قَتَلُوا ثَلاَثَةً وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا، فَاجْتَمَعَ مِنْ عُبَّادِهِمْ وأَحْبَارِهِمْ مِائَةٌ وعِشْرُونَ؛ لِيُغَيِّرُوا المُنْكَرَ وَيُنْكِرُوا، فَقُتِلُوا جَمِيعاً، كُلُّ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (2)
(1)الأول : الدر المنثور ، أخرجه مردويه عن ابن مسعود، والثانى: أَبو الشَّيخ عن ابنِ مسعُودٍ t، جامع المسانيد والمراسيل والثالث: (فر) عن ابنِ مسعُودٍ t.، جامع المسانيد والمراسيل.
(2)عن أبى عبيدة بن الجراح، تفسير بن كثير والبحر المديد وغيرهما من التفاسير